Kamal Ghazi's profile

تقييم المشهد العالمي (2015)

في قلب الظروف الراهنة، يمكننا أن نقول بأن العالم يقف على أعتاب مفترق للطرق، يعصف به الاضطراب ويعتصره الخوف من القادم. وإنقاذ مسار الاقتصاد العالمي من عثرته الحالية، يتطلب تغييرات محورية للسياسات المركزية، لا سيما أن العقد الأخير (2005-15) حمل معه تقلبات غير متوقعة وهدامة للاستراتيجية المسبقة.

أزمة الاتحاد الأوروبي
تعود بوادر الأزمة العالمية إلى عامي 2007/2008، عند انطلاق الأزمة المالية الكبرى من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي. ومنذ وقتها تأثر الاقتصاد اليوناني بشكل خاص، ما فرض في العام 2010 طرح قضية إنقاذ اليونان بشكل ضروري، على طاولة الاتحاد الأوروبي.
وخلال أربع سنوات، ظل الناتج المحلي الإجمالي ينزف دون توقف، وقع الاقتصاد اليوناني في أعظم هوات التدهور في حقبة الاقتصاد الحديث – منذ عام 1870. من هنا، أثيرت مخاوف من خروج اليونان أو إفلاسها أو وقف تعاملاتها بالعملة الموحدة، ما يهدد المنقطة بخسارة كمّا من الأموال يقدر بمئات المليارات من اليورو.
في نفس الوقت، تصارع القارة مأزقا تاريخيا كبيرا، بينما تفتقد إلى “الصوت الموحد” بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة اللاجئين. وإذن تتضارب الرؤى المستقبلية بين وفرة الأيدي العاملة وازدهار منتظر، وانهيار موشك للاقتصاد الأوروبي ككل. وحتى الآن، لا تزال الخطوات القادمة مشوبة بالغموض.

أزمة الشرق الأوسط
بحلول الخريف من عام الربيع العربي 2011، رصد البنك الدولي خسارة البلدان التي قامت فيها الثورات لخمسة وخمسين مليار دولار. كان على حكومات المنطقة تعويضها بأسرع وقت، من أجل ضمان الاستقرار الأمني والسياسي لبلدانها. ورغم محاولات الدفع النظرية نحو سياسات اقتصادية بديلة وسط تقلبات متعاقبة، لم يؤت مخطط الإنعاش الاقتصادي أكله، وتكبدت المنطقة خسائر صعبة التعويض.
بعدئذ لم يخل الشرق الأوسط من انفجار المشكلات الأمنية والاقتصادية، التي دفعت بالمواطنين المحليين إلى البحث عن فرصة عيش جديدة خلف البحر الأبيض المتوسط. هناك، حيث معقل تجمعات الهجرة واللجوء، يتعثر الاتحاد الأوروبي أثناء فراره من خطر الفقر والبطالة والتضخم، ويحاول في نفس الوقت استيعاب أنسب عدد من اللاجئين والمهاجرين.

مصر
أصيبت مصر بما يعرف بالركود التضخمي، نتج عن ارتفاع نسبة البطالة مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات. واتبع البنك المركزي سياسة تقشفية اتسقت مع رؤيته المستقبلية المتشائمة، التي خشت من نفاذ الاحتياطات الدولارية في وقت قريب. من ثم عمل المركزي على خفض الإنفاق من الدولار قدر المستطاع، لكن سيستسلم في النهاية إلى خفض قيمة العملة المحلية، لتصل إلى تسعة جنيهات مقابل الدولار الواحد في غضون أشهر.
كان الحل المرتقب للقضاء على تلك المعضلة، يتوقف على توفير السيولة النقدية والتشجيع على الاستثمار لرفع مستوى العمالة من ناحية، ومن ناحية أخرى سحب رؤوس الأموال ووقف السيولة النقدية للحد من تضخم الأسعار. وهذا الحل معقد، ويتطلب تحقيق سياستين متضادتين في نفس الوقت.
إن تراجع نسبة البطالة كان حتميا عقب نجاح المشروعات القومية، التي تطلعت إليها الحكومة بشغف خلال العامين الماضيين، وعملت من خلالها على جذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوفير السيولة النقدية التي يمكن ضخها في السوق المصرية دون المساس بسياسة المركزي اللازمة لمواجهة التضخم في الأسعار.
لكن الاضطراب الأمني الذي شهدته الدولة أعاق تحقق التنمية الاقتصادية المرجوة، وجف منبع الدولار الحيوي للنظام الحاكم، جراء: (1) وقف دعم المملكة العربية السعودية والإمارات، (2) تسجيل قناة السويس لخسائر متتالية بعد افتتاح مشروع “شرق التفريعة”، الذي تكلف 3.2 مليارات دولار، بالإضافة إلى أربعة مليارات أخرى لحفر ستة أنفاق تعبر أسفل قناة السويس، (3) حادث الطائرة الروسية في سيناء، الذي أسقط “السياحة”، أحد مصادر الدخل الرئيسي.

اليمن
منذ اندلاع الثورة قبل أربع سنوات، شهدت اليمن عددا من الاضطرابات التي فرضت قيودا تعسفية على النشاط الاقتصادي. وتسبب انعدام الفضاء الاقتصادي في عودة مهاجري القرن الأفريقي إلى بلدانهم، لكن هذه المرة بصحبة الآلاف من اليمنيين.
جاء استهداف تحالف “عاصفة الحزم” الذي تقوده السعودية لمقار مدنية مأهولة، منزوع التناسب مع أهدافه العسكرية. وكان مردود قصف الغارات الجوية لمراكز حيوية كأسواق ومستشفيات ومدارس، تضخما كليا عنيفا في أسعار السلع والخدمات، ما أدى إلى اختفاء هذه السلع والخدمات، ونقص حاد في السلع الأساسية من الغذاء والدواء، وبات الوصول إلى مياه صالحة للشرب حلم يراود القطاع الأكبر من اليمنيين.
تتزامن الحرب في اليمن مع تغيّر المناخ الأرضي. الإعصار المداري شابالا، الذي ضرب سواحل بحر العرب، في أوائل نوفمبر الفائت، دمر البنية التحتية لعدة مدن يمنية، وتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطيل المرافق والمنشآت الصناعية. إن تفاقم مثل هذه الأوضاع يرجح تفجير اليمن لأزمة لاجئين جديدة، بالطبع تخشاها أوروبا على مستويي الاقتصاد والديموغرافيا.

أثر التغيرات المناخية
بتسجيل العام 2015 لأرقام قياسية في ارتفاع درجات الحرارة، زادت سرعة ذوبان الجليد لتصل إلى نسبة 25 بالمئة. ووفق أحد سيناريوهات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، فإن الدول الموقعة على الاتفاقية ملزمة باتخاذ خطوات نحو وقف ارتفاع درجة حرارة الكوكب بواقع 4.3 درجة مئوية بحلول العام 2100، الذي سيجنب واحدا من بين ستة أنواع أخذ طريقه نحو الانقراض، ومن شأنه إحداث تغييرات جذرية على المستويات الجغرافية والاقتصادية والديموغرافية.
إن درجات الحرارة المرتفعة الناتجة عن عقود من الاحتباس الحراري، أذابت ممرات جليدية بين قارتي أوروبا وآسيا، ما يعني فتح أفقا جديدا لحركة التجارة بين القارتين. وعلى العكس، كان الجفاف الذي شهدته سوريا في الأعوام الأخيرة سبب نزوح السوريين من الريف إلى المدن، بعد أن تأثرت المحاصيل الزراعية ونقصت السلة الغذائية. تفاقمت الأزمة، وانتشرت الهجرة إلى أوروبا – ما أحال الأزمة إلى معضلة إقليمية ودولية.
تقييم المشهد العالمي (2015)
Published: