رواية جابو
تأليف: رانية بده
رسوم: محمد الحموي
نشر: دار نهضة مصر
رواية لليافعين.. ذات منحى نفسي حول مرض الوسواس القهري
جابو: هو ذلك الفتى المكبل.. الذي قيدته الوساوس القهرية ضمن ظروف عائلية ضاغطة وملهمة في الوقت ذاته
جابو يعيش في عالم غير متوازن.. يثقله العبء.. وتقيده الوساوس
تكومت على نفسي لكي لا يسمع صوت ضربات قلبي العالية أو يرى قفصي الصدري وهو يعلو ويهبط.
سمعت صوت تكتكات مفاتيح الهاتف، يبدو أن بابا يرد على بعض الرسائل.
بعد دقيقتين ترك المقبض وسمعت صوت خطواته المنتظمة لغرفة جدي كعادته، صوت كرسي جدي الهزاز وبابا يجلس عليه.
دقائق وسمعت خطواته تتجه لغرفته ولم يعد لغرفتي.
أخذت نفس بعدما كدت أختنق، فردت جسمي وأحكمت البطانية لكتفي واستسلمت لدعابات أحلامي، تدحرجت دمعة من عيني لا أعلم من أين أتت.
بعد دقائق سمعت من بعيد إشعارًا جديدًا. وانتقلت لحلم بدايته فوق موجة عالية.
وصلنا لمبنى أبيض مكوَّن من طابقين، ظهر من خلفه مجموعة من الأشجار الكثيفة كالغول الذي يستعد للانقضاض على فريسته، للمبنى سور من الأشجار القصيرة أطوالها غير متساوية، تعلو أوراقها الأتربة، مقطوع براعمها بحدة، مررنا من بوابة بهت طلاؤها وتساقط بعضه، شممت رائحة نعناع وفل، على الرغم من أني أحبهما فإن نفاذ رائحتهما بالهواء خنقتني، تلفَتُّ حولي لأعرف مصدرها، شدني بابا من ذراعي لنصعد ثلاث درجات، قرأت لافتة "مركز الصحة النفسية"، تحتها مكتوب بخط ذهبي منطفأ لمعانه "نفسك تستحق".
ركعت على الأرض، أمسكت وجهه بين كفي وقلت: "جدي، انظر لي، أنا جابو".
سكت جدي لحظات، التقت عينه بعيني، أكملت: "هل تسمع صوتي، صوت من هذا؟"
أجاب بعد ثوانٍ بتساؤل: "جابو؟"
أمسكت كفه ووضعته على رأسي وقلت: "شعر من هذا؟"
مسحت شعري بكفه، أمسك خصلة منه وقال: "جج … جابو".
قلت: "من يريد أن يسمع حكاية جحا؟"
بكي جدي وقال: "أين كنت؟ لماذا تركتني وحدي مع الوحوش؟"
أجبت: "الحكاية عن عصفور كناري، صنع عشًّا ملونًا بجانب بحيرة عجيبة، لمَّا وقَع الكناري وكسر جناحه، تلوَّنت مياة البحيرة وذبلت ورودها فورًا، طال وقت مرضه، وعندما زاد حزنه فانقلب لغضب، صرخ وبكى وحاول أن يرفرف دون فائدة، فترجمت البحيرة غضبه وبكائه لغليان".
